موضوع: الدوحه (دار الحكمه ) بعد بغداد و قرطبه 13/11/2011, 6:42 am
وصف الشيخ مصطفى تسيرتش، مفتي ورئيس علماء البوسنة، الدوحة بأنها «دار الحكمة» في القرن الواحد والعشرين مثلما كانت بغداد وقرطبة في السابق، مشيراً إلى أن قطر تكتب المرحلة الثالثة من تاريخ الأمة الإسلامية. وذكر في حوار خاص لـ «العرب» أن الدوحة تطلق مبادرات الحكمة لجمع الشمل ورأب الصدع في العالمين العربي والإسلامي. وقال: «قطر تزرع الخير لمستقبل العرب والمسلمين. وأبناؤنا سيجنون آثار الزرع ويأكلون ثماره». وذكر أنه يلبي كل دعوة تأتيه من قطر للمشاركة في المؤتمرات والندوات والمحاضرات. وأوضح أن المرحلة الأولى لدار الحكمة كانت في بغداد، والمرحلة الثانية كانت في قرطبة، والآن نحن في المرحلة الثالثة التي أسميها مرحلة الدوحة. وشبَّهَ المراحل التي مر بها المسلمون تاريخياً بـ «سبع بقرات سمان وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات عجاف». وقال: تاريخنا الهجري يمتد لخمسة عشر قرنا من الزمان، في القرون السبع الأولى كنا مثل البقرات السمان أكلنا وشبعنا، وبعدها جاءت سبع قرون عجاف، الآن بدأنا سبع قرون سمان من الدوحة. وعن رأيه في الحوار بين أتباع الأديان السماوية قال إن المؤتمرات والندوات المشتركة بين أتباع الأديان تمد جسور الود والتفاهم بين الطرفين وشبهها بأنشطة «العلاقات العامة». واعترف صراحة بأنه لا يرى كثير من الثمرات لمؤتمرات حوار الأديان. وتمنى أن يتم الحوار بنفس الطرق الدبلوماسية وبأسلوب ومنهج العلاقات العامة. واقترح على الهيئات الإسلامية فتح مدارس للدبلوماسية الإسلامية تهيئ طلابها للتحاور مع أتباع الديانات الأخرى وكل من يختلف مع المسلمين في الفكر والعقيدة. وأوضح أن هدف المسلمين من الحوار مع الآخرين لا ينبغي أن يهدف لتغيير دياناتهم ويجب أن يركز على التقارب وفهم كل طرف للآخر بما يزيل الجفاء والعداء. حوارنا مع مفتي البوسنة جاء خلال مشاركته في مؤتمر الأديان الذي احتضنته الدوحة قبل أيام. وعن أحوال المسلمين في البوسنة بعد سنوات الاستقلال التي أعقبت الحرب مع الصرب والكروات قال الشيخ مصطفى تسيرتش: المسلمون في البوسنة بخير ويتطلعون لمزيد من التعاون والتقارب مع إخوانهم في قطر ومصر والسعودية وبقية الدول الإسلامية. وأشار إلى أن الهمَّ البوسني الآن أصبح في التقارب مع بقية الدول المسلمة. وردا على سؤال حول اعتراف الدول العربية بالبوسنة قال: «كل الدول العربية اعترفت بالبوسنة وفي مقدمتها قطر». وجدد التأكيد والإشادة بالدور البطولي للمجاهدين العرب في الدفاع عن البوسنة، مؤكداً أن «دورهم سيدفعنا للذود عن هؤلاء، وتقديم الدعم لهم، للبقاء في البوسنة، ما داموا يتمتعون بوضع قانوني، ولم يرتكبوا أية مخالفات تهدد الأمن والاستقرار في البوسنة». المساجد أفضل حالاً وعن وضع مساجد البوسنة التي تعرضت لتدمير كامل من الصرب خلال الحرب التي استمرت لسنوات، قال الشيخ مصطفى تسيرتش: أكثر من ألف مسجد في البوسنة تعرض للتدمير؛ سواء أكان جزئياً أم كلياً، غير أننا نجحنا في ترميم وإصلاح أكثر من %40 منها، فيما بقي حوالي %60 منها يعاني من وضع مؤلم بسبب افتقاد الإمكانات المادية، التي تمول عمليات الترميم والإصلاح. وأضاف: رغم هذا الوضع المؤسف فإنني سأسوق لك الآن مفاجأة غير متوقعة؛ بأن المساجد حالياً في البوسنة عددها أكثر بكثير، وقد تكون ضعف أعداد المساجد قبل الحرب، وتسعى المشيخة الإسلامية حالياً في البوسنة للقيام بحركة ترميم واسعة، على رأسها إعادة تأهيل مسجد فرحات باشا في بنيالوكا والعديد من المساجد في سراييفو وتوزلا.
إقبال على حفظ القرآن وردا على سؤال حول حجم الإقبال على المساجد بين شباب البوسنة حالياً، وكثرة الإقبال على حفظ القرآن الكريم قال رئيس علماء البوسنة: إن عدد حفاظ القرآن في البوسنة يتجاوز أضعاف أعدادهم في عهد محمد الفاتح. وأكد أن محاولات تذويب هوية شعب البوسنة المسلم فشلت فشلاً ذريعاً. وأشار إلى أن مساجد البوسنة تشهد ازدحاماً غير مسبوق في الجمعة وفي شهر رمضان. وقال: ستعجب حين أؤكد لك أن عدد حفاظ القرآن الكريم في البوسنة حالياً يتجاوز أضعاف أعدادهم إبان عهد الفتح الإسلامي بها، لاسيَّما في عهد محمد الفاتح، وهو ما يؤكد فشل محاولات تذويب هوية شعب البوسنة المسلم، ويتكرر نفس السيناريو فيما يخص الإقبال على الصلاة، خصوصاً يوم الجمعة وفي شهر رمضان، حيث تشهد المساجد ازدحاماً غير مسبوق لدرجة أن المئات يصلون خارج المساجد وهو ما يدحض جميع ما يتردد عن وجود حالة انفصام بين المسلمين ودينهم الحنيف.
تفاؤل بالمستقبل وحول مستقبل بلاده كدولة قوية وقادرة على العيش بسلام واستقرار مع جيرانها قال مفتي ورئيس علماء البوسنة: رغم الظروف الصعبة والمعقدة؛ فإننا لا نملك إلا التفاؤل بمستقبل زاهر للبوسنة، وهو الأمر الذي يحظى بتوافق بين أبناء البوسنة، وأكده استفتاء أخير أجراه مركز أميركي متخصص حيث أبدى %60 من شعب البوسنة تفاؤلاً بمستقبل أفضل فيما تحفظ أكثر من %40 على هذا الأمر. وأضاف: من جانبي أرى أن البوسنة بحاجة لمشروع شراكة قوي بين أبنائها، وهو مشروع يحمل رسالة مفادها أن وجود دولة قوية في البوسنة أفضل سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأنه من دون هذه الشراكة فإن إصلاح الأوضاع في البوسنة يبدو كابوساً مزعجاً.
اتفاق دايتون ليس مقدساً وعن تقييمه لاتفاق «دايتون» للسلام بين البوسنيين والصرب قال الشيخ تسيرتش: اتفاق دايتون ليس نصاً مقدساً غير قابل للتعديل، لاسيَّما أن العديد من بنوده لم يتم تنفيذها حتى الآن، ولقد بُحَّ صوتُنا نحن المسلمين وحتَّى الكروات بضرورة تعديل الاتفاق لصالح وجود كيان بوسني قوي، والحد من الصلاحيات التي يعطيها القانون لصرب البوسنة، الذين يستطيعون تعطيل أي قانون فيدرالي في حالة الاعتراض عليه. وطالب بتفعيل المادة (18) من الاتفاق، الخاصة بعودة اللاجئين، ليتمكن أكثر من %90 من أبناء المسلمين من العودة لبيوتهم والتصدي لمشروع التطهير العرقي، الذي يتم الإعداد له على قدم وساق في البوسنة، لاسيَّما في المناطق التي يسيطر عليها الصرب.