تبدو قيادة إيران وكأنها في حالة إنكار سياسية واقتصادية واجتماعية، فتصريحات المسئولين الإيرانيين تنم إما عن مكابرة فارغة تحاول تغطية السماوات بالقبوات، وإما عن عجز كامل عن استيعاب الصدمات المتتالية ومعالجة تداعياتها، فلا يجدون سوى الإنكار يبررون به فشل استراتيجية أمضوا عقودا في رسمها وتنفيذها ليتبين أنها غير قادرة على الصمود طويلا عندما يحسم العالم أمره في مواجهتها.
وبدلا من الإقرار بأن التعنت في الملف النووي أوصل إيران إلى عزلة خانقة، وأن بناء المحاور والتوسع خرَّبا علاقات حسن الجوار مع العرب ومعظم العالم، وأن ألاعيب السياسة التي يحلو للبعض تسميتها "براجماتية" لم تعد تنطلي على أحد، نجد طهران تعلن زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم وتتمسك بدعمها لحلفاء منهارين وتدعي أن كل شيء على ما يرام.
ومع إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات نفطية ومالية جديدة تضاف إلى العقوبات الدولية التي تكاد تقصم ظهر طهران وتجفف مواردها الخارجية وتجعل من الصعب إيجاد مستورد لنفطها، سارع المرشد خامنئي إلى التبرؤ من وصفة اعتماد اقتصاد بلاده على الصادرات النفطية، واصفا إياها بـ "الفخ" الموروث عن فترة ما قبل 1979.
ومخافة أن يتحمل وحده المسئولية عن الوضع المتدهور؛ انضم الرئيس أحمدي نجاد إلى المرشد في النأي بنفسه عن سياسة الاعتماد على عائدات النفط الخام، داعيا إلى وقف صادرات النفط بالكامل والتركيز على بناء المزيد من المصافي لتلبية الاستهلاك الداخلي.
لكن إذا كان تصدير النفط "فخًا" وإذا كانت الأولوية لحاجات الإيرانيين من مشتقاته، فلماذا لم ينتبه "الولي الفقيه" الذي وصفته بعض الصحف الإيرانية بأنه "معصوم عن الخطأ" لهذا الشطط إلا بعد اشتداد العقوبات؟ ولماذا كان تصدير النفط "نعمة" عندما كان يوفر بلايين الدولارات لتشييد المفاعلات النووية وتصنيع الصواريخ والزوارق الحربية وبناء شبكات الحلفاء والعملاء ومدّهم بالمال والسلاح؟ ولماذا لم تستجب القيادة لمطالبة شعبها طوال سنوات بتوفير الوقود الضروري لسير عجلة الاقتصاد؟
ويمتد هذا الإنكار إلى السياسة الخارجية، حيث يتكرر الفشل الإيراني من تركيا إلى سوريا وصولاً إلى البحرين واليمن، فيؤكد وزير الخارجية الإيراني أن الوضع في سوريا "ينحو إلى الهدوء" فيما المؤشرات جميعها تدل على أن نظام بشار الأسد يقترب من الانهيار، وأن المعارضة السورية تحقق تقدما على الأرض، وقد تنجح قريبا في إقامة "منطقة آمنة" في محافظة حلب.
وبالرغم من الفشل المدوي لخطة كوفي عنان، لا تزال طهران تكرر دعوتها إلى "حوار" بين النظام والمعارضة في سوريا، بينما ترفض إجراء مثل هذا الحوار في الداخل الإيراني، وتنكر وجود معارضة شعبية واسعة لنظامها، مثلما تنكر حقيقة أنه لم يعد ممكنا إجراء أي حوار بين المعارضة وحكم عائلة الأسد الذي أنفقت عليه الكثير ومدته بوسائل البقاء، لكنها تشهد اليوم تفككه، عاجزة عن إنقاذ ما تعتبره واسطة العقد لنفوذها في المنطقة.
أما صنعاء التي جربت طهران إغواءها بشتى الطرق فتعلن الكشف عن شبكة تجسس إيرانية وترفض استقبال موفد نجاد إليها احتجاجا على التدخل في شئونها، بينما نجحت البحرين في تخطي "القطوع الإيراني" وتعمل بجهد على إعادة نسج الروابط السلمية في مجتمعها.
لكن هذا التراجع في نفوذ إيران الإقليمي وهذا التخبط في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ينبغي ألا يجعلا أحدًا يطمئن إلى أن "المخالب" الإيرانية لم تعد قادرة على الإيذاء، فالرغبة في التمدد ستبقى صنوًا لنظام آية الله ما بقي قائما.
بيانات العضو
سحر الارجوانى
عضوة جديدة*
معلومات العضو
رقم العضويه : 1051عدد المساهمات : 15التقييم : 43695السٌّمعَة : 25الجنسية : تاريخ التسجيل : 26/05/2012