«العلاج في الخارج».. هو أحد الملفات التي طالما كانت وما زالت ملتهبة في وزارة الصحة، وقد رافق جميع الوزراء الذين تقلّدوا الوزارة. هذا الملف الذي يعاني من التهاب مزمن، وكان سببا في استجواب أحد الوزراء السابقين بحاجة إلى حلول جذرية لا تحتاج الى التردد، فالملف متخم بالتراكمات والأخطاء التي لا تحتمل الإهمال، كونها معنية بصحة المواطن، وكان آخرها تساؤلات ديوان المحاسبة اخيرا عن سبب عدم استخدام النظام الالكتروني الذي يردع المحسوبية في الادارة بالرغم من تدشينه منذ عام وتدريب موظفين ادارة العلاج في الخارج على استخدامه. كفلت الدولة علاج المواطن من المهد الى اللحد، وأوجدت ادارة العلاج في الخارج لابتعاث المرضى الكويتيين ممن لا يوجد لهم علاج في البلاد، وفي ظل هبوط مستوى الخدمات الصحية، فإنه من الطبيعي ان يرتفع عدد المرضى المبتعثين الى الخارج. وزير الصحة د. علي العبيدي اتخذ اول قراراته المعنية بهذه الإدارة أخيراً، وهو مجرد خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، حينما شكل لجنة للنظر في ابتعاث الاطفال المصابين بالسرطان، يكون لها استقلالية، ويكون قرارها نافذا، ومن دون الحاجة إلى موافقة اللجنة العليا في إدارة العلاج في الخارج. والواقع ان هذا القرار بحاجة إلى ان يعمم على كل اللجان التخصصية في المستشفيات الاخرى، فخلال السنوات الماضية وضعت لائحة لتنظيم العلاج في الخارج مرت بتعديلات مختلفة من فترة الى أخرى، مما تسبب في صدور كثير من القرارات المتعارضة.
محسوبية لقد طالت تبعات اللوائح الكثيرين من المرضى والمواطنين الذين بدأوا يشتكون مما أسموه التعسف في عدم ابتعاث بعض الحالات التي تعاني امراضا مستعصية، حتى ان بعض الاطباء همسوا الى المرضى بان هناك توصيات وتحذيرات بعدم اتخاذ قرار ابتعاث، خصوصا للمرضى الذين سبق ابتعاثهم. في السنوات الاخيرة كانت اللجان التخصصية في المستشفيات تقرر للمرضى الابتعاث للخارج بعد فشل معالجتها، ويرفع الكتاب الى اللجنة الطبية العليا في ادارة العلاج في الخارج، التي تقوم باتخاذ قرار مفاجئ ومضيع للوقت من خلال عرضها الحالة الموصى بابتعاثها من قبل المستشفى المعالج، على لجنة اخرى في مستشفى آخر، في سياسة لا ينتج عنها سوى التأخير او نقض القرار الأول على حساب صحة المريض وضياع الوقت، ناهيك عن استدعاء الاطباء اصحاب القرار في اللجنة التخصصية المؤلَّفة من مدير المستشفى المعالج ومساءلتهم عن أسباب اتخاذ القرار، وفي النهاية فإن الضحية هو المريض.
وفيات السرطان وبقراءة الأرقام، فإن السياسة التي اتبعت ربما تكون السبب الرئيسي في ارتفاع اعداد وفيات المرضى من السرطان، حيث كانت اعداد الوفيات من المواطنين بسبب السرطان في عام 2006 هي 412 حالة وفاة، وفي عام 2007 كان عدد حالات الوفاة بسبب مرض السرطان 410، ثم ارتفعت حالات الوفيات بسبب مرض السرطان في عام 2008 الى 446 حالة وفاة، ليقفز الرقم الى 475 حالة وفاة في عام 2009، ويحافظ على مستوى الصعود في عام 2010 بــ447 حالة وفاة، مما يستدعي اعادة النظر في الساسة التي تتخذها الوزارة في هذا الاتجاه، فالأرقام هي أرقام وفيات وخسارة أرواح مواطنين كويتيين، ولا نعلم كم حالة وفاة بسبب أمراض أخرى منعت من الابتعاث، سعياً الى تطبيق سياسة تقليل النفقات أو التقشف الحكومي.
نقض وضعت أول لائحة للعلاج في الخارج لتمنح اللجان التخصصية في المستشفيات حق الابتعاث، لكون اللجنة مشكلة من المستشفى الذي يعالج فيه المريض، وهي الأقرب لحالته الصحية، وتم الغاء دور اللجنة الطبية العليا في ادارة العلاج في الخارج، حيث تخصصت فقط في النظر بقرارات أخرى كتحمل نفقات العلاج للمرضى الذي يصابون بالمرض في الخارج، أو التعويض لمن عولج في الخارج، أو التمديد للمريض الذي تتجاوز فترة علاجه الأشهر الثلاثة، حيث ان المكتب الصحي هو المسؤول عن الأشهر الثلاثة الأولى. لكن هذه الصلاحيات عادت من جديد بلائحة جديدة الى اللجنة العليا، وهو أمر ساعد على نقض الكثير من القرارات. كذلك، فإن من العيوب المزمنة في الادارة تأخر اجراءات ابتعاث الحالات الحرجة بالرغم من صدور قرار، وهو أمر يؤدي أحياناً الى وفاة المريض لولا تدخلات من المسؤولين مباشرة لانقاذ أرواح هؤلاء المرضى، كوكيل الوزارة د. ابراهيم العبدالهادي الذي كان له دور كبير في استعجال اجراءات الابتعاث لاكثر من حالة حرجة وهذا اجراء يسجل له. وبالرجوع إلى تاريخ الإدارة فإنها مرت بمراحل مختلفة، وتقلد منصب ادارتها اكثر من طبيب حيث واجهوا العديد من الضغوطات النيابية خلال فترات متعددة وذلك لما لهذه الإدارة من دور في تقديم الخدمات للناخبين حيث تزدهر اعمال هذه الإدارة في فترات الانتخابات، والسؤال لماذا يلجأ المواطنون إلى النواب في معاملات العلاج في الخارج؟ واجابة غالبيتهم تكون بأنه لا يجد الانصاف، ومن دون الواسطة لن يبتعث مريضه إلى الخارج.
الربط الالكتروني ودشنت وزارة الصحة قبل عام برنامج الربط الالكتروني الذي يربط قرارات اللجان التخصصية في المستشفيات بإدارة العلاج في الخارج وصولا إلى المكاتب الصحية في الخارج حيث أعلنت الوزارة حينها انه سيقضي على تجاوزات العلاج في الخارج. وكذلك يمكن النظام الجديد من الاستعلام عن حالة اي مريض في الخارج من خلال برنامج وربط الكتروني واضح حيث يستطيع الوزير او اي مسؤول الاستعلام عن اي حالة مرضية من خلال الربط الالكتروني الموجود عبر الاستعلام الالكتروني. واعلنت حينها الوزارة ان البرنامج جاهز وانها ستبدأ باستعماله وانه سيكون حافظا لبيانات المرضى وسرية حالاتهم ورادعا للمحسوبية لكن استعمال هذا التطبيق تم تأجيله لاسباب غير معروفة علما بأنه لا يوجد اي سبب. ان المساعي إلى اغلاق هذا الملف الملتهب يحتاج إلى النظر اليه بعيون المواطنين وليس بعيون المسؤولين، فكثير من المواطنين لا يريدون العلاج في سويسرا وانما يحتاجون التطبيب وبحاجة لمن ينصفهم ومن يوقف ممارسة الترهيب مع اطباء اللجان التخصصية والقضاء على البيروقراطية، ومنح اللجان الفنية التخصصية استقلاليتها لتكون قراراتها نافذة ولينحصر دور ادارة العلاج في الخارج في تنفيذ الاجراءات ليس الا.
استعلام بالآيفون يمكن برنامج الربط الالكتروني للعلاج في الخارج وزير الصحة او اي مسؤول يحمل تطبيق البرنامج على الآيفون من الاستعلام عن حالة أي مريض في الخارج وفي أي مستشفى وآخر الاخبار عن وضعه الصحي من خلال ادخال البيانات كاملة من المكاتب الصحية.
المخصصات المالية ترددت تصريحات كثيرة عن زيادة المخصصات المالية التي تصرف للمرضى المبتعثين وذويهم، وواقعا فان قيمة المخصصات المالية للمرضى لا تكفي مع غلاء المعيشة في الدول الاوروبية وفي الولايات المتحدة الاميركية.